كثيرًا ما يُحذّر أساتذة الجامعات طلبتهم من الاعتماد على مصادر ومراجع الإنترنت، التي لا تعود إلى مؤسسات علمية؛ خاصة المواقع المتاح فيها المشاركة للجميع، وإن كانوا مجاهيل. ولكن الطلاب لا يقبلون ذلك المنع في غالب الأحيان، وربما عدّوه تعنتًا من الأستاذ. والحق أن الطالب لا بد أن توضّح له أسباب المنع، ولا يكفي أن يُؤمر فيطيع، خاصة ونحن نسعى في جامعاتنا إلى تنمية مهارة النقد والتفكير عند الطالب. فمن حقه إذن أن نشرح له لماذا كان هذا المنع.
يجب أن يخضع المصدر أو المرجع أيًا كان نوعه: كتاب، أو مقالة، أو بحث، أو تسجيل مسموع ومرئي، أو صورة ... إلى آخره، إلى تدقيق وتقييم قبل الاستفادة منه. فإن كان الموقع يعود إلى جهة معلومة ومؤلف معلوم، يصبح تقييمه ممكنًا. أما إن كان يعود لجهة ولشخص مجهولين، فيصبح تقييمه مستحيل تقريبًا. والحديث هنا ليس عن توافر المصداقية أو غيابها فقط، إنما أيضًا عن فهم ميول ودوافع جهة النشر؛ مع أمور أخرى في تقييم المصدر والمرجع.
وويكبيديا قد يكتب فيها مجاهيل، ويُتاح التعديل على تبويباتها دون معرفة المُعدِّل، لذلك يستحيل تقييم ما كُتِب فيها تقييمًا صحيحًا.
ولكي نطلع سويًا على سهولة التزوير والكذب والاختلاق في مثل هذه المواقع، دون وجود آلية بيد المؤرخ للتحقق من ذلك، وتقييم المعلومة، نأخذ تطبيقًا عمليًا لأستاذ تاريخ. فقد قرّر أستاذ جامعي اسمه ت. ميلز كيلي (T. Mills Kelly)، عند تدريسه مادة اسمها (Lying about the past)، وبعد عجزه عن إقناع طلابه بالكفّ عن استخدام مثل موقع ويكبيديا في أبحاثهم، أن يُثبت لطلابه عمليًاعدم دقّتها. فقسّمهم إلى مجموعات، وطلب من كل مجموعة اختراع قصّة تاريخية عن شخصيّة. وبعد عرض تلك القصص عليه، وحبكها جيدًا، وعمل تقرير مصوّر عنها، وربما نشر مقابلات شخصية تتحدث عنها أيضًا، تكتب كل مجموعة على موقع ويكبيديا مُدخلة عنها. وفعلاً، نجح هؤلاء الطلاب مع أستاذهم، على مدى فصلين دراسيين باختلاق أحداث لم تحدث، وشخصيات لا وجود لها، ورفع ذلك كحقائق على ويكبيديا ويوتيوب، مدعّمة بوثائق مزوّرة، ومقابلات مع "خبراء".
وانطلت الكذبة على محرري موقع ويكبيديا، فأجازوا المدخلات ونُشرت على موقعهم. ولم يعلم أحد بحقيقتها إلا عندما أعلن الأستاذ ذلك، عندما أثبت لطلابه ما أراد إثباته لهم. وبالطبع، هناك من انتقد هذا العمل أخلاقيًا، وقد تبرّم أحد منشئي موقع ويكبيديا من هذا العمل.
وهذا سبب واضح لمنع استخدام ويكبيديا وأخواتها من المواقع المفتوحة، والمتاح فيها التعديل للمجاهيل. مما يفقدنا أهم مقومات البحث، وهي تقييم المصدر أو المرجع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق