كنت أود أن أكتب عن القراءة التفاعلية عموماً ، أي ما يُناسب كل الفنون ، ولكن سرعان ما عُدت إلى حدود المقدرة الإنسانية ، وعلمت استحالة ذلك. فعزمت على اقتصارها على القراءة في التاريخ لأسباب منها: قلّة ما كُتب عن ذلك لطلاب التاريخ ، ومعرفتي وخبرتي كطالب علم في هذا التخصص. وأرجو من الله تعالى أن يكون في ذلك فائدة لطلاب وطالبات التاريخ ، والعلوم الإنسانية عموماً.
هناك نوعان من القراءة ، سالبة وتفاعلية. السالبة هي أن تقرأ كتاباً تاريخياً وكأن كل ما فيه هو بنفس الأهمية ، وكأنه رواية ، تمر على الصفحات واحدة تلو الأخرى إلى أن تنتهي من قراءة الكتاب ، وسرعان ما تزول المعلومات من ذاكرتك. أما القراءة التفاعلية هي عبارة عن علاقة تفاعلية بينك وبين الكتاب الذي تقرأ ، فالحوار ليس من طرف واحد (مؤلف الكتاب) ، بل هو منكما معاً. فأنت تطرح الأسئلة أثناء القراءة ، وتدوّن الملاحظات ، وتربط ما تقرأه بمعارفك السابقة.
ودعونا نضع ما يستحسن فعله على شكل خطوات:
- القراءة الأولية: قبل أن تبدأ بقراءة الكتاب ، فلماذا لا تلاحظ العنوان الفرعي (إن وجد)، فهو يشير دائماً إلى كيفية تناول الموضوع ، أو على ماذا سيكون التركيز. ومن المفيد أيضاً أن تتصفح فهرس الموضوعات ، وقائمة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكاتب. اختر أحد الهوامش في الكتاب وحدد مدى شمولتيه من عدمها ، لتقيّم علمية المؤلف. إن صرفك لقليل من وقتك في هذا يساعدك في تحديد كيفية قراءتك للكتاب ، بدلاً من أن تنفق وقتك في كتاب لا يفيدك.
- ابحث عن فرضية المؤلف: الفَرَضِيَّة التاريخية هي النتيجة التي توصَّل إليها المؤلف/الباحث في بحثه ، وعادة تكون في خاتمة الكتاب. فمعرفتك لفرضية المؤلف مسبقاً قبل قراءتك للكتاب تفيدك لأن فهمك للفكرة الرئيسة يُمكّنك من استيعاب النص بشكل أكمل ، ويمكّنك من تقييم أفضل لتحليل المؤلف لأدلّته خلال التي أوردها في الكتاب. ولن تُفسد عليك قراءة الخاتمة أولاً بقيّة الكتاب ، إلا إن كان الكتاب يحتوي لغزاً تاريخياً.
- طرح الأسئلة أثناء القراءة: ينبغي أن تُسائل النص باستمرار: ما هي النقطة التي طرحها المؤلف هنا؟ لماذا اختار هذا المثال؟ هل تختلف مع المؤلف في نقطة ما ، ولماذا تختلف معه؟ عندما تحاول الإجابة على هذه الأسئلة ستظهر لك أسئلة أخرى أكثر دقّة ، ومن شأن ذلك أن يأخذك إلى مستوى أعمق في النص. وهكذا يساعدك طرح مثل هذه الأسئلة أن تقرأ بتمعّن ، وبشكل ثقافي عالٍ.
- الكتابة أثناء القراءة: يمكنك أن تكتب على هامش الكتاب (إن كنت تملكه طبعاً)، فمثلاً إن صادفتك فقرات هامة ، أو غير واضحة تماماً ، فيمكنك كتابة ملحوظة عنها لتعود إليها لاحقاً. دوّن إجاباتك على الأسئلة التي تطرحها في هوامش الكتاب ، فإن صياغتك لملاحظاتك تساعدك على تذكّر ما قرأت ، وعلى ترسيخ فهمك للنص. وكتابتك أثناء القراءة تساعدك على تصفية الذهن ، وتكوّن ذخيرة معلوماتية عندك تستعين بها في قراءاتك الأخرى في المستقبل.
قم بتلك الخطوات المقترحة وسترى فارق كبير بإذن الله في تركيزك ومعلوماتك. تذكّر أن:
أ - تضع خطاً تحت النقاط الهامة ، بما فيها الفرضية.
ب - ترجع إلى القاموس لمراجعة معاني الكلمات الغريبة عليك واكتب معناها في الهامش.
ج - تدخل في حوار مع النص من خلال كتابة ملاحظاتك على الهامش ، ولا بأس أن تُضمنها أسئلة تريد أن تجيب عليها فيما بعد. ودوّن كذلك النقاط التي تختلف فيها مع المؤلف ، وإحالات إلى قراءاتك الأخرى في الموضوع نفسه.
د - تضع علامتي اقتباس " " حول أي عبارة لافتة للنظر.
كنت قد بدأت في تطبيق ذلك أثناء الدراسة بعد البكالوريوس ، ولمست الفرق بنفسي ، وهو لا شك فرق هائل أتمنى أن يفيدك مثلما أفادني.
_____________________________________________________
للمزيد، ولأفكار أخرى راجع:
_____________________________________________________
للمزيد، ولأفكار أخرى راجع:
Mary Rampolla, A Pocket Guide to Writing in History
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق